صفات
الله أزليةٌ أبديةٌ لا تتغَيّرُ لذلكَ لا يجوزُ أن يعتقدَ الإنسانُ أن
ربنا يغيرُ مشيئتَهُ لدعوةِ داعٍ أو لصدقةِ متصدقٍ أو لنذرِ ناذرٍ أو
لصلاةِ مصلٍ أو غيرِ ذلكَ من الحسناتِ، بل لا بدَّ أن يكونَ الخلقُ على ما
قدَّرَ لهمْ من غيرِ أن يتغيّرَ ذلكَ ومما إستدل به أهل الحقِّ على ذلكَ
الحديث الذي أخرجه الحافظ ابن حجر من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال:" سألتُ ربي أربعاً فأعطاني ثلاثاً ومنعني واحدةً ،
سألتهُ أن لا يكفرَ أمتي جُملةً فأَعْطَانِيهَا ، ( أمةُ محمَّدٍ من حيث
الجملة لا تكفرُ قد يقع قسم منها في الكفرِ لكنها لا تكفرُ جُملةً). قال
:" وسألتهُ أن لا يهلِكَهُم بما أهلكَ بهِ الأممَ قبلهمْ فَأعْطَانِيهَا
وسألتهُ أن لا يُسلطَ علِيهمْ عدواً من غيرِهم فيستَأْصِلَهم
فَأعْطَانِيهَا وسألتهُ أنْ لاَ يجعلَ بأْسَهمْ بينَهمْ أي أنْ لاَ
يتقَاتَلُوا فَمَنعَنِيهَا ، وفي روايةٍ قالَ :" يا محمّد إني إذا قضيتُ
قضاءً فإنهُ لا يُرَدُّ " . هكذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو
كان الله يغيرُ مشيئتَهُ لدعوة داع لغيّرها لحبيبهِ محمّدٍ ولكنَّهُ قال
:" فمنعنيها". ما استجاب له الدعوة الرابعة .
وكلامنا هذا لبيان الحقِّ والمسائل الشرعية وليس دعوةٌ للكسل وعدم العمل .
فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّ
النُّطْفَةَ تَكُونُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى حَالِهَا
لَا تَغَيَّرُ فَإِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعُونَ صَارَتْ عَلَقَةً ثُمَّ
مُضْغَةً كَذَلِكَ ثُمَّ عِظَامًا كَذَلِكَ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ
يُسَوِّيَ خَلْقَهُ بَعَثَ إِلَيْهَا مَلَكًا فَيَقُولُ الْمَلَكُ الَّذِي
يَلِيهِ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ،
أَقَصِيرٌ أَمْ طَوِيلٌ أَنَاقِصٌ أَمْ زَائِدٌ ، قُوتُهُ وَأَجَلُهُ أي
رزقهُ وعمرهُ ، أَصَحِيحٌ أَمْ سَقِيمٌ ، قَالَ فَيَكْتُبُ ذَلِكَ كُلَّهُ
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ :" فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذَنْ وَقَدْ فُرِغَ
مِنْ هَذَا كُلِّهِ ؟ قَالَ :" اعْمَلُوا فَكُلٌّ سَيُوَجَّهُ لِمَا
خُلِقَ لَهُ " والحديثُ رواه الإمام أحمد في المسند قال الحسنُ البصري
رحمه الله:" من لم يؤمن بالقدَّرِ فقدْ كفرَ ". وهو مأخؤذٌ من حديثِ جبريل
الذي رواه الإمام مسلم والترمذي وأبو داوود وأحمد. قَالَ فَأَخْبِرْنِي
عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ:" أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ
خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ وفي روايةٍ :"حلوهِ ومرهِ ".
القضاء : 1 - منه ما هو مبرمٌ لا يتغيّر وقد شرحناه .2- ومنه ما هو معلقٌ
وأما مسئلة : القضاء المعلق أو القدرِ المعلقِ :" الذي يقول أن الله
كَتَبَ قَدراً مُعَلقاً بأنَّ فلاناً إن فعل كذا يصيبهُ كذا من مطالبهِ أو
يدفع عنه شيئاً من البلاء وإن لم يفعل كذا لا ينالُ ما طلبهُ لأن الملائكة
يكتبون في صحفهم على وجه التعليق على حسب ما يتلقون من قبل الله تعالى
فهذا لا ينافي الإيمان بالقدر فالمعلقُ معناهُ أنهُ معلقٌ في صحفِ
الملائكة التي نقلوها من اللوحِ المحفوظِ فيكون مكتوباً عندهم مثلاً فلان
إن وصل رحمهُ أو برَّ والديهِ أو دعا بكذا يعيشُ إلى المائة أو يعطى كذا
من الرزقِ والصحةوإن لم يصلْ رحمهُ يعيشُ إلى الستين ولا يُعطىَ كذَا من
الرزقِ والصحةِ هذا معنى القضاء المعلقِ أو القدر المعلقِ وليسَ معناهُ
أنَّ تقديرَ الله الأزليِّ الذي هو صفتهُ معلقٌ على فعلِ الشخصِ أو دعائهِ
فالله تعالى يعلمُ كلَّ شيءٍ ولا يخفى عليهِ شيءٌ وهو يعلمُ بعلمهِ
الأزليِّ أيُّ الأمرين سيختارُ إذا الشخصُ وما الذي سيصيبهُ واللوحُ
المحفوظُ كُتِبَ فيهِ ذلكَ كلهُ وعلى مثلِ ذلكَ يحملُ الحديثُ الذي رواهُ
البيهقيُّ عن ابن عباسٍ أنهُ قالَ : " لا ينفعُ حذرٌ من قدرٍ ".ولكنَّ
الله عز وجلَّ يمحو بالدعاء ما شاءَ من القدرِ ". أما الأول ": لاَ ينفعُ
حذرٌ من قدر " معناه فيما كُتِبَ من القضاء المحتومِ المبرم الذي لا
يتغيّر والثاني " ولكن الله يمحو بالدعاءِ ما شاءَ من القدرِ " معناه
المقدورِ . وقد سار عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه ومعه ناس من الصحابة إلى
الشام فاستقبله معاوية وامراء الشام وأخبروه بشدة وطاة الطاعون في البلاد
الشامية فتوقف عن الدخول وإستشار رؤساء الصحابة فبعضهم أشار بالدخول
والبعض أشار بعدم الدخول وكان رأي عمر عدم الدخول للبلاد التي فيها
الطاعون خوفاً على الصحابة الذين معه، الا أنهُ أراد الرجوع بالجيشِ خوفاً
عليهِ من الطاعون فقال أحدهم:" يا أمير المؤمنيين " أتفرُّ من قدر الله ".
فقال عمر :" نفرُّ من قدَّرِ اللهِ إلى قدَّرِ الله .قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ بالطَّاعُونَ بِأَرْضٍ فَلَا
تُقْدِمُوا عَلَيْهِا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ فيهَا فَلَا
تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " رواه البخاري في الصحيح . فحمدَ الله عمر
ورجع بمن معه ولم يدخل الشام.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" يَدْخُلُ
الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَمَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ
بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَاذَا أَشَقِيٌّ أَمْ
سَعِيدٌ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَيَكْتُبَانِ
فَيَقُولَانِ مَاذَا أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ فَيَكْتُبَانِ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَمُصِيبَتُهُ
وَرِزْقُهُ ثُمَّ تُطْوَى الصَّحِيفَةُ فَلَا يُزَادُ عَلَى مَا فِيهَا
وَلَا يُنْقَصُ.